حادثة بيت ليد تعبير عن أزمات إسرائيل البنيوية

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – حادثة معسكر بيت ليد ليست حادثة عابرة، أو أن سببها طارئ وينتهي بنهايته، بل هي تعبير عن أزمة عميقة بنيوية لها علاقة بالأيديولوجيا التي تأسست بموجبها إسرائيل، وواصلت بناء الدولة والمؤسسات والمجتمع وثقافته على أساس هذه الأيديولوجيا، أما البعد الآخر، الذي عمق الأزمات هو الاحتلال للأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني، واستمراره لعقود، وما فيه من استيطان وتحول هذا الاستيطان إلى أوكار للصهيونية الدينية الفاشيةالمتطرفة، ومن ثم نمت هذه المجموعات وتغلغلت داخل المجتمع الإسرائيلي وتغولت وأصبحت تتحكم اليوم بالقرار.
هذا التطور الذي نلمسه في أزمات عميقة تتفجر داخل إسرائيل هو نتاج طبيعي للأيديولوجيا الصهيونية العنصرية. وعدم لجم الأحزاب الصهيونية الدينية، وتركتها تنمو باعتبارها أداة إرهابية ضد الفلسطينيين، واستخدامهم للسيطرة على مزيد من الأرض الفلسطينية. هذه الأداة ترتد اليوم إلى الداخل الإسرائيلي، وعلينا أن نتذكر أن إسرائيل كانت تعيش أزمة كبيرة وانقساما عميقا عاموديا قبل السابع من أكتوبر الماضي، ونتذكر المظاهرات التي كانت تتم بمئات الآلاف، وإغلاق المفترقات والطرق احتجاجا على وجود هذه الجماعات في الحكومة ومركز القرار. وليس هذا وحسب فقد كان نتنياهو وهذه الأحزاب الصهيونية الدينية تحاول القيام بانقلاب على الجهاز القضائي. ثم جاءت أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب الإبادة.في قطاع غزة، لتجمد الأزمة قليلا ولكن دون أن تلغيها.
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، طفت إلى السطح حركة كاخ اليمينية المتطرفة، التي صنفتها إسرائيل لاحقا بأنها حركة إرهابية، أسس هذه الحركة مائير كاهانا، وكان مركزها الأساسي في مستوطنة كريات أربع قرب الخليل، وكانت تدعو إلى طرد الشعب الفلسطيني، وأن فلسطين كلها هي أرض لليهود وحدهم. وفي العام 1994 وبهدف تخريب عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية قام أحد أعضاء هذه الحركة (غولدشتاين) بمذبحة الحرم الإبراهيمي الوحشية في الخليل. وبعد ذلك اغتال هذا التيار الأيديولوجي المتطرف رئيس الوزراء إسحاق رابين عام 1995، ونجحوا عمليا في اغتيال عملية السلام. هذا التيار وهذه الأحزاب الصهيونية الدينية التي يقودها سموتريتش وبن غفير هي من ذات الجذر والسلالة، هم يتصدرون الحكومة الإسرائيلية ويسيطرون فعلا على قرار إسرائيل.
اقرأ|ي أيضاً| “غوانتانامو” إسرائيل.. ما الذي يجري داخل معتقل سدي تيمان؟
الاستنتاج من كل ذلك، فإن من أوصل إسرائيل إلى أزمتها البنيوية العميقة، هي أولا، الفكرة الصهيونية، فكرة تأسيس إسرائيل التي تنكر وجود الآخر وتغتصب أراضي الآخر، هذه الرواية الصهيونية المبنية على مجموعة أكاذيب هي فكرة مأزومة من أساسها. أما العامل الثاني هو الاحتلال وشبكة الاستيطان والمستوطنين، فهذا الاحتلال، الذي كان المقصود منه احتلال ما تبقى من الأرض الفلسطينية، هذا الاحتلال، وما أنتجه من أيديولوجيا أكثر تطرفا وفاشية وما أفرزه من عنصرية هو اليوم يحتل إسرائيل وليس فقط الأرض الفلسطينية، بهذا المعنى فإن الاحتلال هو مأزق إسرائيل وهو الذي عمقها وحولها إلى أزمة عمودية.
المسألة الثالثة، هي اغتيال عملية السلام وتدميرها، كانت هناك محاولة لتحويل إسرائيل إلى دولة يمكن أن تتعايش مع محيطها، وقبل كل شيء أن تتعايش مع نفسها. تدمير عملية السلام ونجاح التيار اليميني الإرهابي في تدمير عملية السلام جعله يتغول داخليا إلى أن سيطر على كل مفاصلها.
أزمة إسرائيل البنيوية هي أزمة مركبة ومعقدة، ولن تنجح إسرائيل في الخروج منها إلا إذا قررت أن تنهي الاحتلال كخطوة أولى ومن ثم الاعتراف بالدولة الفلسطينية. إلا أن الازمة هي أعمق من ذلك، فهي تكمن في جوهر فكرة إنشاء إسرائيل، كدولة يهودية عنصرية.فهل ستنجح إسرائيل في الخروج من جلدها العنصري الذي هو جذر أزمتها؟