لماذا غاب الحديث عن اليوم التالي في قطاع غزة؟

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – هناك سؤال على الفلسطينيين والعرب الإجابة عليه، كيف يمكن استثمار التضحيات الهائلة التي قدمها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بتحقيق مكاسب وطنية؟
وربما هناك صيغة أخرى للسؤال أكثر دقة في حالة مثل الحالة الفلسطينية، كيف نمنع أن تذهب تضحيات الفلسطينيين في قطاع غزة سدى؟
في محطات عديدة لم يفلح الشعب الفلسطيني في تحويل تضحياته إلى مكاسب سياسية وطنية، في الثورة الفلسطينية الكبرى في أعوام 1936- 1939، ذهبت التضحيات من دون تحقيق مكاسب ذاتبعد إستراتيجي، 5 آلاف شهيد، وعشرة آلاف جريح، ودمار أحياء وقرى، واعتقال ونفي وتهجير عشرات الآلاف، وإذا أخذنا في الاعتبار نسبة السكان في تلك الفترة، فإن التضحيات توازي إن لم تكن أكثر مما يجري اليوم. في ثورة الثلاثينيات من القرن العشرين فقد الشعب الفلسطيني 10 بالمئة من رجاله بين شهيد وجريح ومعتقل ومنفي ولاجئ واليوم فقد شعبنا حتى الآن 4 بالمائة من سكان قطاع غزة، 100 ألف شهيد، وبالإضافة لهم 200 ألف جريح،أكثر من ربعهم أصبحوا من ذوي الحاجات الخاصة، فقدوا أحد اطرافهم، أو عيونهم.
أما الخسائر المادية فهي تقدر بعشارات المليارات من الدولارات، بيوت مواطنين، مدارس وجامعات ومستشفيات، بنية تحتية، ومحطات طاقة وتلوث شامل. كل هذا في قطاع غزة، أما الضفة فهناك خسائر أيضا بمئات الملايين من الدولارات، واقتصاد ينزف، وهناك خسائر في الضفة لا تقدر بمال وحسب، مع تكثيف متسارع للاستيطان، وانتشار إرهاب المستوطنين وتشريد سكان المخيمات ومحاولة تصفية وجودها، وتشريد البدو من مناطق سكنهم، والسيطرة الفعلية على مساحات واسعة من الأرض في التلال المشرفة على الأغوار، وفي الأغوار ذاتها.
مع كل هذه التضحيات، وهذا الدمار والخسائر الفادحة، فإنه ليس من المسموح أن لا يحقق الشعب الفلسطيني بعض المكتسبات الوطنية، أو على الأقل أن يمنع هدر التضحياتفهدر التضحيات هذه المرة له ثمن باهض، وقد ينهي القضية الفلسطينية لعقود قادمة. وهنا نعود للسؤال كيف نمنع هدر التضحيات الجسيمة، وكيف يمكن أن نستثمر هذهالتضحيات؟
اقرأ|ي أيضاً| النكبات هي الفصل الأطول في ذاكرة الفلسطيني
هناك حقيقة تتعلق بالقدرة الوطنية على الاستثمار، فهذه القدرة ليست على مايرام، فالأمراض التي كانت لازمت الحالة الوطنية تاريخيا لا تزال موجودة، بل مستفحلة، والمقصود هنا الانقسام والتشرذم والهشاشة، لذلك بالضرورة أن ينطلق الاستثمار من هذا الواقع، والخطوة الأولى موجودة في ملعب حركة حماس. أولا، عليها إنهاء ملف المحتجزين الإسرائيليينلوقف حرب الإبادة فورا. فوقف الحرب هو الخطوة الأولى الأهم، لأن استمرارها يبقي الباب مفتوحا أمام مخاطر كارثية، ليس أولها وآخرها التهجير القسري، أو تهيئة البيئة للتهجير الطوعي. الخطوة الثانية يجب أن تأتي من حماس أيضا، بأن تغلب المصلحة الوطنية على المصلحة التنظيمية والإخوانية الضيقة، وأن ترجح وحدة الوطن على أي مصلحة أخرى، وأن تقول بشكل واضح إن السلطة الوطنية الفلسطينية هي صاحبة الولاية على قطاع، وتعلن أنها مع الخطة العربية لإعادة البناء.
بالمقابل أن تعلن منظمة التحرير الفلسطينية، لإعادة بناء النظام السياسي بمنطق الدولة، وليس بمنطق الفصائل والمحاصصة، وعلى أسس ديموقراطية ينخرط بها الجميع. ليس بصفتهم كأحزاب سياسية لها برامجها الوطنية ويؤطرها قانون أحزاب متفق عليه. أما بما يتعلق باستثمار التضحيات وبشكل عملي فيمكن تحديد إطار وأهداف له، وهنا يمكن تحديدها بالتالي:
أولا: جهد وطني موحد من أجل وقف الحرب فورا فورا ومنع التهجير بكل السبل.
ثانيا: البدء بإعادة الإعمار مع التأكيد على بقاء المواطنين على أرضهم، عبر تأمين مساكن بديلة وتوفير الخدمات الصحية والتعليم والإدارة وحفظ الأمن.
ثالثا: تشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور جديد وقانون انتخابي جديد تقرر اللجنة طبيعته، ولاحقا يجري استفتاء شعبي بشأنه، ويلي ذلك انتخابات رئاسة وتشريعية.
الهدف هو بناء نظام سياسي فلسطيني متلائم مع التوجه نحو الدولة.
رابعا: بناء تحالف عربي ودولي يدعم حل الدولتين، والبناء بهذا الشأن، على المقترح السعودي – الفرنسي لعقد المؤتمر الدولي للدخول في عملية سلام تقود لحل الدولتين.
المهم أن نوقف الحرب ونمنع التهجير، ونحافظ على وحدة إقليم الدولة الفلسطينية، بعد ذلك يمكن النظر في اقتراحات لآليات الأمن وإعادة البناء في قطاع غزة.