مقالات

غولدا مائير ناقشت مع وزرائها الدولة الفلسطينية..ولكن؟

شعاع نيوز – الكاتب: باسم برهوم – بالتزامن مع الفيلم الذي أنتجته هوليوود عن رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير، التي حكمت في مطلع السبعينيات، الذي يعطيها بعدا أسطوريا، بالتزامن مع ذلك أفرجت إسرائيل مؤخرا عن وثيقة في غاية الأهمية، تقول، إن غولدا مائير ناقشت في تشرين الأول/ أكتوبر العام 1970 مع موشي دايان، الذي كان وزيرا للجيش، ومع إيغال ألون وزير التربية والتعليم، فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية. وفي التفاصيل قالت مائير إنه يجب أن يقرر سكان المناطق (الضفة) مصيرهم بأنفسهم، وبالتالي أن تقبل إسرائيل بوجود دولة فلسطينية إلى جانبها، ولكن بشرط أن يحصل ذلك في وقت مناسب لإسرائيل.

وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن طرح مائير كان مفاجئا بالنسبة لوزرائها، فلطالما رفضت إسرائيل مجرد التلميح للفكرة وترفضها جملة وتفصيلا، إلى درجة أن ألون، صاحب فكرة ومشروع “أرض أكبر وسكان أقل” للاستيطان في الضفة، وصف ما طرحته غولدا مائير بأنه بمثابة وعد بلفور جديد ولكن هذه المرة للفلسطينيين. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن هذه الوثيقة هي الأولى التي تشير إلى أن مسألة إقامة دولة فلسطينية مستقلة قد تم قبولها من أي مسؤول إسرائيلي.

بالمناسبة فإن غولدا مائير ودايان والون كانوا من أقرب المساعدين لبن غوريون خلال حرب عام 1948. إلى جانب إسحاق رابين وشمعون بيريس وغاليلي وغيرهم، والمقصود هنا أن هؤلاء من ساهم عمليا في إقامة إسرائيل، ووضعها على خارطة الشرق الأوسط والعالم، على حساب فلسطين. لذلك فإن طرح مسألة الدولة الفلسطينية للنقاش في أوساط هؤلاء، ومن غولد مائير الأكثر تشددا في أوساط حزب العمل فهو بمثابة اعتراف مبكر بأن الحقيقة الفلسطينية لا يمكن هزيمتها أو إلغاؤها.

لا شك أن رابين، الذي أمر بتكسير عظام الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى، قد توصل للاستنتاج نفسه، الذي توصلت إليه غولدا مائير، وقال هو وشمعون بيريس إنه لا يمكن الاستمرار في حكم شعب آخر، فما إن فازا في الانتخابات في إسرائيل عام 1992 حتى قررا الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية والتوقيع معها على اتفاقات أوسلو، وهو ما اعتبر خرقا لأحد أهم خطوط الحركة الصهيونية الحمراء، أي الاعتراف بالفلسطينيين كشعب. هذا الاختراق، دفع رابين حياته ثمنا له، عندما اغتاله المتطرف اليهودي إيغال عامير في ميدان ملوك إسرائيل في تل أبيب في خريف عام 1995. من الواضح أنه، وفي كلتا المحاولتين، محاولة غولدا في عام 1970، ومحاولة رابين عام 1993، لم تفلح في جعل إسرائيل تتخلص من صهيونيتها العمياء العنصرية.

فالسؤال المهم هنا، على ضوء الأزمة العميقة التي تعيشها إسرائيل اليوم، ماذا لو تخلصت الدولة العبرية من الاحتلال منذ أن فكرت بذلك غولدا مائير، أو رابين، هل كان من الممكن أن تصبح إسرائيل بالفعل دولة ديمقراطية غير عنصرية؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لأنها إجابة متخيلة، ولكن من البديهي أن أحد أهم الأسباب في تغول اليمين الفاشي، النقيض للديمقراطية، هو الاحتلال والاستيطان، وبالأساس، وقبل أي شيء الفكرة الصهيونية التي تأسست إسرائيل على أساسها، وهي نفي وجود الآخر الفلسطيني، ونفي أن له تاريخا قديما ومتجذرا في هذه الجغرافيا التي طالما وكل الوقت كانت تحمل اسم فلسطين. فعندما نتعمق بالأزمة الداخلية في إسرائيل أكثر نجد أن كل التداعيات قد كانت من نتاح هذه الفكرة العنصرية والقومية المتطرفة، فالاحتلال والاستيطان وما يقره الكنيست الإسرائيلي من قوانين عنصرية ضد المواطنين العرب، هي عبارة عن تفرعات من الأساس المنحرف للدولة.


اقرأ\ي أيضاً| لماذا يريد نتنياهو اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية؟


وفي سياق المحاولة للإجابة على السؤال سالف الذكر، فإنه بالتأكيد أن إسرائيل لو تخلصت من احتلالها، لكانت أقل عنصرية وأكثر ديمقراطية. إلا أن هذا المسار، المقصود محاولات غولدا مائير، ورابين، لم يكتب لها النجاح لأن إسرائيل لا يمكن أن تكون ديمقراطية وهي لا تزال تعتمد على إعلان ما يسمى “الاستقلال” الذي تلاه بن غوريون ليلة 15 أيار/ مايو 1948، وهو يعلن قيام دولة إسرائيل، إعلان الاستقلال هذا هو وثيقة لعملية سرقة ليس فقط أرض فلسطين وإنما تاريخ فلسطين ونفي أي وجود في التاريخ للشعب الفلسطيني.

في نهاية المطاف فإن الأزمة الداخلية في إسرائيل، وهي الأخطر والأعمق، انما هي من صنع أيديهم وإصرارهم العجيب على أن تكون إسرائيل دولة عنصرية، دولة يهودية ولليهود وحدهم.

نعود إلى فيلم هوليوود عن غولدا مائير، التي كان يطلق عليها لقب “المرأة الحديدية”، الذي نالته حتى قبل رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر التي جاءت بعدها بخمس سنوات، الفيلم يريد أن يصنع من غولدا أسطورة، أو على الأقل إعطاء شخصيتها بعدا أسطوريا، لكن هذه المرأة، التي حكمت إسرائيل من عام 1969 وحتى أيلول/ سبتمبر عام 1974، قد صفعتها حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، فهي لم تستمع للتقارير التي حذرت من نشوب الحرب، ولم تصدق أن العرب يمكن أن يبادروا لهذه الحرب.

الوثائق التي كشف عنها النقاب مؤخرا، والتي تقول إن غولدا مائير فكرت بالدولة الفلسطينية، الغريب أن هذه المرأة الحديدية قد ناقشت مسألة الدولة الفلسطينية مع وزرائها بعد عام فقط من إطلاقها لتصريحها الأكثر شيوعا، بأن “ليس هناك شعب فلسطيني فالكبار يموتون والصغار ينسون”، الأمر الذي يعكس إدراك هذه المرأة بمأزق إسرائيل مع استمرار الاحتلال وها هو حدسها قد صدق، فإسرائيل تعيش أخطر أزماتها اليوم.

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى