مقالات

ضباط ثورة 23 يوليو.. من الهزيمة إلى الثورة

الكاتب: باسم برهوم/ شعاع نيوز: معظم الضباط الأحرار, الذين قاموا بثورة 23 يوليو في مصر عام 1952, إن لم يكن كلهم، كانوا قادة ألوية أو كتائب في الجيش المصري الذي دخل إلى فلسطين يوم 15 أيار/ مايو 1948، من أبرزهم محمد نجيب، الوحيد الحاصل على شهادة جامعية في الحقوق، ومنهم جمال عبد الناصر، عبد الحكيم عامر، زكريا محي الدين وحسين الشافعي وخالد محي الدين وأنور السادات. هؤلاء الضباط كانوا صغار السن، زج بهم في الحرب وهم دون خبرة عسكرية حقيقية، حتى إن بعضهم لم يكن قد أنهى دراسته في الكلية الحربية.

وكما يقول لنا التاريخ، إن مصر لم تكن راغبة بالدخول إلى الحرب، ولم يكن جيشها في حينه مؤهلا لخوض الحرب، وهذا كان رأي قيادة الجيش والحكومة، وحتى محمد نجيب نفسه كان يعتقد أن الجيش في تكوينه وتسليحه وتدريبه كان أقرب ما يكون لقوة بوليس منها إلى جيش حقيقي. وفي آخر لحظة ومن دون أن يكون الجيش جاهزا، قرر الملك فاروق ولحسابات سياسية عربية أكثر من كونها عسكرية. بالإضافة إلى أن الانطباع الذي كان سائدا، ونتيجة لنقص المعلومات، أن حرب فلسطين ستكون أقرب لنزهة منها إلى حرب، فلم يكن لدى الجيش المصري ولا حتى الجيوش العربية تقدير حقيقي لقوة الحركة الصهيونية العسكرية، التي اتضح فيما بعد أنها كانت تفوق عددا وعدة مجموع الجيوش العربية.

ومما أثار غضب ضباط الجيش المصري في الميدان، البيانات العسكرية التي كانت تصدر في الإذاعات في القاهرة، وتتحدث عن انتصارات وهمية، أما الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فهي صفقة الأسلحة الفاسدة، الأسلحة التي كانت تقتل مستخدميها بدل أن تقتل الأعداء، والتي قدرت قيمتها في تلك الأيام بخمسة ملايين دولار، تورط فيها مسؤولون في وزارة الحرب والدولة وتجار، ومصادر قالت في حينه إن الملك فاروق شخصيا قد تورط بهذه الصفقة الفاسدة، وإنه كما قال المؤرخ عارف العارف قد تلقى 100 ألف جنيه سمسرة.

بعد الهزيمة في الحرب، عقد الضباط الأحرار العزم على التغيير، وكان البكباشي جمال عبد الناصر، الذي حوصر هو وكتيبته في الفالوجة جنوب فلسطين، وعانى أكثر من غيره من الأسلحة الفاسدة، من أبرز المحركين نحو التغيير. فقد عمل هؤلاء الضباط الشباب، بسرية تامة إلى درجة أن الاستخبارات البريطانية، التي كانت لا تزال تهيمن على البلاد قد تفاجأت من ثورة يوم 23 يوليو 1952، ومن ثم وبعد أربع سنوات أجبرها مجلس قيادة الثورة على مغادرة مصر نهائيا.

لقد قدم الجيش المصري الشقيق وكافة الحيوش العربية التي شاركت في حرب عام 1948 التضحيات، كما لا يجب أن يشكك في نوايا الضباط والجنود الذين بالفعل قد جاءوا إلى فلسطين بهدف إنقاذها ومنع تقسيمها، وحاربوا بكل تفانٍ وإخلاص، ولكن الجيوش ليست مسؤولة عن الخلافات والانقسامات العربية العربية، على مستوى المسؤولين السياسيين، وحتى عن الانقسامات التي كانت داخل النخب الفلسطينية ذاتها، وربما من هنا كان غضب الضباط الأحرار المضاعف.

لقد جاءت ثورة 23 يوليو من رحم الهزيمة المؤلمة، من رحم النكبة وردا مباشرا عليها، وقدمت الثورة بزعامة جمال عبد الناصر أول مشروع قومي عربي نهضوي ووحدوي تعاطفت معه الجماهير المصرية والعربية من المحيط إلى الخليج.

لقد منحت ثورة 23 يوليو الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأمل، والتفّت الغالبية العظمى من الجماهير العربية حول مشروع ناصر الوحدوي، المشروع الذي يجمع بين التنمية والوحدة السياسية، مشروع هدفه النهوض بالإنسان العربي وبالكيان العربي لتأخذ الأمة العربية مكانتها التي تستحقها بين الأمم. ولعل الأهم أن مشروع عبد الناصر كان مشروعا قوميا ضد الهيمنة الاستعمارية، ومع تحرير إرادة الأمة العربية، لذلك لم يكن مفاجئا أن تضع الدول الاستعمارية كل ثقلها وطاقتها وإمكانياتها من أجل إفشال ناصر ومشروعه القومي.

اليوم وبعد مرور 70 عاما على ثورة 23 يوليو لا تزال الفكرة حية في عقل وقلب الجماهير العربية، وهي تنتظر أن يتجاوز العرب انقساماتهم وتناقضاتهم، ويلتفوا حول مشروع قومي نهضوي موحد من جديد.


اقرأ\ي أيضاً| الذكرى السبعون للثورة الناصرية

تابعنا على تلجرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى